We’re humbled to introduce our Canary writer, Alaa Shamali from Palestine – but currently a refugee in Oman. We will be publishing him in Arabic – but if you right click on the screen the menu that appears should give you the option to translate the article to English. If you are reading on mobile, this will be in the burger menu (the three dots) of your browser.
في الثالث من مايو من كل عام، يتبادل العالم التهاني والتصريحات احتفاءً بحرية الصحافة. تُعقد المؤتمرات، تُنشر التقارير، وتُرفع الشعارات حول “صون الكلمة” و”حماية الصحفيين”. لكن خلف هذا المشهد المثالي، هناك مكان يُدعى غزة، يدفع فيه الصحفي حياته ثمنًا للحقيقة، في ظل صمتٍ دولي يُطبِق على الكاميرا كما يطبِق الحصار على المدينة.
في غزة، لا تتعلق الصحافة بحرية التعبير فحسب، بل بالبقاء. مهنة محفوفة بالموت، تُمارَس تحت خطر القصف لا الرقابة، ويُعامل صاحبها كخصمٍ في ساحة حرب. الكلمة تُلاحَق بصاروخ، والكاميرا تُصنَّف خطرًا أمنيًا، والميكروفون يُستهدف كما لو كان بندقية.
الصحافة في غزة .. مهنة تُؤدَّى على خط النار
خلال 18 شهرًا فقط من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ارتكب الاحتلال أرقامًا صادمة بحق الجسم الصحفي: 212 صحفيًا استشهدوا، و48 آخرون اعتُقلوا، فيما دُمرت منازل 44 صحفيًا، وقُضي على 28 عائلة إعلامية بالكامل.
إلى جانب الأرواح، دمّر الاحتلال البنية التحتية الإعلامية: أكثر من 143 مؤسسة إعلامية سُوّيت بالأرض، وبلغت الخسائر المادية للقطاع الإعلامي حوالي 400 مليون دولار، في محاولة واضحة لتكميم الصورة وكسر الصوت.
الصحفي هدف مباشر لا “خسائر جانبية”
لم تكن تلك الضربات نتيجة “أخطاء عسكرية” أو “أضرار غير مقصودة”، بل جاءت كاستهداف مباشر وممنهج للصحفيين، الذين تحوّلوا إلى أهداف عسكرية معلنة. بعضهم استُهدف داخل بيته، آخرون أثناء تغطيتهم للمجازر، وآخرون احترقوا على الهواء أمام ملايين الشاشات.
أسماء لامعة في الإعلام الفلسطيني والعربي باتت اليوم في عداد الشهداء، وجوههم التي كانت تبث الأمل والحقيقة أصبحت معلقة في صور تأبينية، وميكروفوناتهم التي كانت تصدح بالصوت، أصبحت رمادًا على قارعة طريق.
تدمير المؤسسات… وقتل الذاكرة
العدوان لم يكتفِ بالصحفيين الأفراد، بل طال مؤسساتهم. محطات تلفزة وإذاعة وصحف أُبيدت، ومكاتب بثّ دُمّرت، وأرشيفات تحتوي ذاكرة عقدين من الزمن تحولت إلى رماد. في غزة، لا تُستهدف فقط اللحظة، بل التاريخ، حتى لا يتبقى شيء للذاكرة الجمعية يروي ما جرى.
حتى البيوت الخاصة للصحفيين لم تسلم من القصف، إذ استُهدفت كجزء من محاولة واضحة لتفكيك الحاضنة الأسرية والدعم المعنوي. لم يعد هناك ما يُسمى “مكان آمن” للصحفي، فهو ملاحَق أينما اختبأ، سواء كان في الاستديو أو غرفة نومه.
الصحافة الغزية .. التوثيق كمقاومة
ورغم هذا المشهد المأساوي، لا تزال الصحافة الغزية حيّة. يحمل الصحفيون في غزة كاميراتهم كما لو كانت دروعًا، يجوبون بها بين أنقاض البيوت، يوثقون الشهداء، يصورون الخسائر، ويعبرون عن معاناة الناس الذين لا صوت لهم.
ليست هذه ممارسة مهنية فقط، بل فعل مقاومة. فكل صورة تُنشر، وكل شهادة تُوثق، وكل تقرير يُبثّ، هو مواجهة لآلة الطمس، وتحدٍ لمنظومةٍ ترى في الحقيقة خطرًا أكبر من الصواريخ.
يكتفي بالبيانات
في المقابل، يكتفي المجتمع الدولي، في يوم الصحافة، بإصدار بيانات القلق والدعوة إلى احترام حقوق الصحفيين. لكن غزة لا تنتظر بيانًا جديدًا بقدر ما تحتاج إلى فعل. فالمجزرة لا تُوقفها التوصيات، ولا تحمي الصحفي سترات عليها شعارات الأمم المتحدة، بل تحميه مسؤولية حقيقية من العالم الحر.
صحافة لا تموت
في غزة، لا يُحتفل بحرية الصحافة. بل يُحزَن عليها، وتُحمَل على الأكتاف، وتُكتَب على شواهد القبور. لكن رغم ذلك، تبقى الصحافة الفلسطينية شوكة في وجه النسيان. تستمر في عملها، وتواجه الرعب، وتؤكد للعالم أن الحقيقة قد تُستهدف، لكنها لا تموت.