تدخل الحرب في قطاع غزة شهرها التاسع عشر، في وقت تستمر معاناة السكان المدنيين وتفاقم المجاعة مع تزايد الصعوبات التي يواجهها أكثر من 2.1 مليون فلسطيني، في تأمين الغذاء بسبب استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات منذ مطلع شهر مارس الماضي.
ومع وجود تحذيرات من أن الوضع يتجه نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة، تشير التقارير الدولية إلى أن 93% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يُتوقع أن يواجه القطاع مجاعة حادة في حال استمرار إغلاق المعابر واستمرار العمليات العسكرية.
حصار ومعابر مغلقة
منذ بداية مارس 2025، فرضت إسرائيل حصاراً مشدداً على قطاع غزة، مما أدى إلى إغلاق المعابر الأساسية التي تسمح بإدخال المساعدات الإنسانية والبضائع الأساسية مثل الغذاء والدواء، أحد المعابر الرئيسية، معبر “كرم أبو سالم”، الذي يستخدم لتوريد المواد الأساسية للقطاع، بقي مغلقًا لعدة أشهر، مما زاد من حدة الأزمة.
إغلاق المعابر لم يؤثر فقط على تدفق السلع التجارية، بل أسهم أيضًا في تأخير وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الطبية والمواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها السكان بشكل عاجل.
المجاعة وتهديدات الأمن الغذائي
بحسب تقرير تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC) في 14 مايو 2025، أكثر من 93% من سكان غزة يعانون من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. وتشير التوقعات إلى أن الوضع الغذائي قد يتفاقم بشكل أكبر إذا استمر الحصار والقيود المفروضة على القطاع.
ويعاني أكثر من 700,000 شخص من “الأمن الغذائي الطارئ”، حيث يعيشون في أوضاع مزرية بدون الحصول على احتياجاتهم الأساسية.
وأدى الحصار إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية الأساسية، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية في الأسواق، بما في ذلك الحبوب والزيوت والخضروات. هذا الارتفاع جعل من الصعب على العديد من الأسر في غزة تأمين وجبات غذائية كافية. في الوقت نفسه، استمرت معدلات البطالة في الارتفاع، حيث بلغت أكثر من 60%، مما يزيد من تعميق الفقر.
وأصبحت العائلات في غزة تضطر للبحث عن طرق غير تقليدية للحصول على الغذاء، مثل اللجوء إلى المساعدات الإغاثية المحدودة أو البحث في صناديق القمامة للحصول على بعض الأطعمة.
تدهور الوضع الصحي
الوضع الصحي في غزة هو الآخر في حالة انهيار، حيث تعاني المستشفيات والمراكز الصحية من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية. علاوة على ذلك، أصبحت الظروف الصحية في غزة أسوأ نتيجة للتدمير الجزئي للبنية التحتية للقطاع الصحي بسبب الغارات الجوية والاشتباكات المستمرة.
وقد أشار الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية إلى أن هناك خطرًا كبيرًا على حياة المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من الأمراض المزمنة أو الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية العاجلة. وبسبب الحصار، تعذر على العديد من المرضى السفر خارج القطاع للحصول على العلاج اللازم.
الأزمة الزراعية وتدمير المحاصيل
مع استمرار القصف المستمر على القطاع، تعرضت الأراضي الزراعية في غزة لأضرار جسيمة. فالكثير من المزارعين الفلسطينيين فقدوا محاصيلهم الزراعية بسبب القصف أو بسبب نقص المياه والوقود اللازمة لري المحاصيل. تضررت محاصيل القمح والشعير والخضروات بشكل كبير، مما أدى إلى تراجع كبير في إنتاج الغذاء المحلي.
تعتبر الزراعة من أهم مصادر دخل سكان غزة، لكن الظروف الراهنة أدت إلى القضاء على العديد من المحاصيل. في الوقت نفسه، توقفت العديد من الصناعات الغذائية المحلية بسبب الحصار.
التحذيرات الأممية والدولية
أصدرت الأمم المتحدة تحذيرات متكررة من أن الوضع في غزة قد يصل إلى مرحلة المجاعة إذا استمر الحصار على المعابر. وقال “جون سوت”، المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، في بيان صحفي: “إن الوضع في غزة يزداد سوءًا بسرعة، وإذا لم يتم رفع الحصار، فإننا نواجه مجاعة شاملة قد تؤدي إلى فقدان حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين”.
منظمات الأغذية والزراعة (الفاو) والصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية جميعها دعت إلى وقف القتال والسماح بمرور المساعدات الإنسانية بدون قيود. وقالت “هانيا براز”، الناطقة باسم منظمة الأغذية والزراعة، إن “القطاع الزراعي في غزة في حالة انهيار تام، مما يعني أن السكان سيعانون من نقص غذائي حاد في الأشهر المقبلة”.
الجهود الإنسانية ومواقف المجتمع الدولي
رغم النداءات المستمرة من المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لفتح المعابر وتسهيل وصول المساعدات، ما زالت القيود على المساعدات الإنسانية تزداد، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
من جانبها، أطلقت العديد من المنظمات الإنسانية حملات لجمع التبرعات، لكنها تواجه تحديات كبيرة في إيصال المساعدات إلى غزة بسبب الحصار والاشتباكات المستمرة. ورفضت إسرائيل مقترحات الأمم المتحدة لفتح معابر غزة بشكل دائم لتوزيع المساعدات، مما دفع العديد من الأطراف الدولية إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الحصار.
الوضع في غزة يتدهور بشكل سريع، ومع استمرار الحرب والقيود المفروضة على المعابر، فإن السكان الفلسطينيين يواجهون تهديدًا حقيقيًا بالمجاعة. المجاعة وشيكة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لرفع الحصار وتوفير المساعدات الإنسانية بشكل عاجل. إن استجابة المجتمع الدولي لهذه الأزمة الإنسانية ستكون حاسمة في منع حدوث كارثة إنسانية جديدة في قلب الشرق الأوسط.